الانفجار الاخيرالذي وقع في بيروت استهدف وزير المالية السابق محمد شطح, و أودى بحياة مرافقه ، الطالب محمد الشعار, واربعة مواطنين ابرياء لم تحدد هويتهم بعد. انه يوم حزين انهى سنة مضمخة بالدماء. و باستمرار العنف و الانفجارات في طراباس و الضاحية, و الاعتداءات المستمرة على الحدود اللبنانية السورية, فان سنة 2013 كانت سنة مأساوية. اخذا بالواقع اللبناني كان يمكن ان تكون اسوأ.
يمكن قول الكثير عما حصل كما ان لا حاجة للمزيد نظراّ لئن انفجارات مماثلة تحدث دوما في لبنان. هكذا تمارس اللعبة السيايسة القذرة عندنا.
معرفتى بلبنان و شعبه تجعلني على قناعة باننا سنستمر في مسيرتنا. كنت انظر الى ما يدعونها “طاقة التكيف مع الازمات و تجاوزها بسرعة” (resilience) كعلامة قوة, و لكنني اليوم, ارى في هذا الموقف, تعبيرا عن لامبالاة و خضوع كامل للامر الواقع, فصرت انظر باحتقار الى هذه الظاهرة “المرضية”. طاقة التكيف و قدرة الاستمرار في حياتنا اليومية رغم كل الازمات و الحديث عنها كفضيلة لبنانية ليست كافية اذا استمرينا في تجاهل الجذور الحقيقية العميقة لازماتنا و المحن و ادعائنا باننا لا يمكن ان نفعل شيئاّ للشفاء منها و اعتقادنا بان قدرنا ان نقبل هذا الوقع ما دام لبنان هو لبنان.
لعبة لوم الاخرين و توجيه اصابع الاتهام لا يهمني, فالكثيرون سيتولون بلا شك هذه المهمة. ما يهمني هو دوام شعورنا بالاحباط و اليأس, دون ان ننتقل الى التعبير عن غضبنا و رغبتنا بالانتفاضة على هذا الواقع الاليم. و هذا ما يضاعف خيبة املي بمستقبل هذا البلد. لكنه في الوقت ذاته يدفعني الى المزيد من الصراخ لاجل هذا الوطن: اننا نستحق وطناّ افضل و لكن هل نحن مستعدون لتناسي انتماءاتنا الضيقة الجغرافية, الطائفية و المذهبية لمصلحة لبنان الواحد. هل نحن مستعدون للتضحية بوقتنا, طاقاتنا و سمعتنا و كل ما هو عزيزعلينا من اجل لبنان الواحد.
ليس قصدنا “فلسفة” طريقة الوصول الى غد مشرق يسوده السلام. اننا نسعى خاصة لنتخلص من انقساماتنا و تشرذمنا فنكون متحدين بوجه التحديات: لنحارب الطائفية بدءأّ بالفكر و القول, لنتخلص من نزعة الشكوى الدائمة المتأصلة فينا, لننتقل من الكلمة الى الفعل و نطالب باحقاق الحق و العدل للذين قتلوا. يقتضي ان نرفض و نحارب الفساد الذي يقضي على مجتمعنا, ان تكون لنا شجاعة قول ال “لا” للطبقة السياسية المهترئة التي عاشت, زمنا طويلا, على تأجيج الكره المتبادل و جهل الرأى العام. كل هذه لا يعني انهاء العنف في القريب العاجل و ان نجعل من لبنان وطن احلامنا, و لكن حسبنا اننا على الاقل واجهنا مشكلاتنا الحقيقية و سعينا الى حلها و اننا بالتالي نستحق هذا الوطن لنا و لابنائنا.
دعنا نذكّر اليوم جميع هؤلاء الذين تظهر اسماؤهم على شاشاتنا و الاهم الذين سيبقون مجهولين منا, هؤلاء الذين قرروا البقاء في لبنان, اما ان لا خيار اخر لهم أما انهم اتخذوا قرار البقاء رغم النزاعات المأساوية فيه.
انه لمن الصعوبة الاستمرار بالايمان, انه حقا من الصعوبة. اليوم نعلن الحداد على الضحايا الذين قتلوا, تضربنا الصدمة. غدا نتذكر و اليوم الذي بعده قد ننسى ما حدث. لقد كررت, لسنين عديدة الكلمات ذاتها و عبرت عن مشاعر الاحباط ذاتها, لاجل ذلك فان فسحة املي تضيق. سابذل جهدا رغم كل الصعوبات… أما لهذه المعاناة من نهاية؟!
…كفى
One Reply to “بيروت , ايضا و ايضا”